أن تكون رجلاً مسلماً فهذا يترتب عليه أن تفهم وتعي معنى الذكورة والرجولة والفرق بينهما. فعلى الرجل المسلم أن يعي حقيقة الأنوثة والذكورة، ومفهوم الرجولة، وأهمية الدور المتكامل الذي يؤديه كل من الرجل والمرأة في المجتمع.
أن تكون رجلاً مسلماً يجب عليك أن تعي ما تنطوي عليه هويتك من ميّزات، وصفات، وسمات تنعكس كلها على علاقتك بالله أولاً، وبكل من حولك ثانياً. تعلمت منذ الصغر كيف يجب أن تكون علاقتك مع خالقك فآمنت، وقمت بكل الفروض والشعائر المطلوبة. ولكن هل توقفت يوماً لتسأل نفسك عن علاقاتك بالآخرين؟ هل راجعت المعايير التي تتبناها في تلك العلاقات بشكل عام، وعلاقتك بالأنثى بشكل خاص؟ هل تحكم تصرفاتك العادات والتقاليد والمعايير البعيدة عن الإسلام أو ما يقال عنها إسلامية، والإسلام منها براء؟ هل أدركت البعد الإسلامي للذكورة والرجولة؟ وهل بحثت عن صحة ما تتبناه من مفاهيم، قيل لك أنها إسلامية، فرسمت علاقتك بالأنثى بناءً عليها؟.
يُقدّم هذا المقال شرحاً مُبسطاً لمفهومي الذكورة والرجولة مُستنبَطاً من القرآن الكريم، لعلنا نقدّم من خلاله تصحيحاً لهذين المفهومين ننطلق من خلاله نحو العودة بهوية الرجل المسلم إلى ما يجب أن تكون عليه، لنصل إلى رسم صحيح لحدود وأبعاد علاقته بالأنثى، فنعود بذلك بتلك العلاقة إلى أصولها الإسلامية بعد أن شوهتها المفاهيم الذكورية الجاهلية التي تسربت إلى المجتمع الإسلامي من كل حدبٍ وصوب.
الذكورة والرجولة
يدلُّ لفظ الذكر أو الذكورة على النوع أو الجنس، فنوع "الإنسان" يشمل على الذكر والأنثى كما هي الحال عند بقية الأنواع التي خلقها البارئ جلّت قُدرته ، ولِكُلٍ مهمته وعمله في الحياة الدنيا، وثوابه وعقابه في الآخرة. ولو نظرنا إلى لفظ الذكر والأنثى في آيات القرآن الكريم لوجدنا أن ذِكْرَهُما لم يتعد الدلالة على النوع، والإشارة إلى التمييز بين الذكر والأنثى في الإسلام يكون بحسب درجة التقوى لا النوع أو الجنس أو اللون أو غير ذلك كما في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)1 ، أو للدلالة على المساواة بينهما في الثواب والعقاب كما في كثير من الآيات منها قوله جلّ وعَلا: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)2 ، أو في مسائل تنظيمية في الحياة كموضوع الإرث.
والذكورة والأنوثة في نظر الإسلام تكليف لا تشريف، مهمة لا نزهة، مسؤولية لا رفاهية، عطاء لا أنانية، محبة واحتواء لا بغض وظلم.
أما الرجولة فهي صفة، يجب أن يتحلى بها الذكور، فكم من ذكر لا يمت للرجولة بصلة، وكم من أنثى تتحلى بصفات الرجولة من صدق وشهامة وكرم وطاعة وغير ذلك وهذه تُلقب بأخت الرجال وهي صفة حسنة، أما من توصف بأنها امرأة مسترجلة فهذه التي تتشبه بالصفات الفيزيائية للذكورة وليس للرجولة، فتلبس لباسهم وتقلدهم في المشي وطريقة الكلام وهذه صفة قبيحة تتصف بها بعض النساء، وهي تشبه تماماً الرجال المتشبهين بالنساء، وهاتين الحالتين منهي عنهما شرعاً.
ولا يدل معنى الرجولة اللغوي ايضاً على الفحولة أو القدرة الجنسية كما يفهم البعض، فتلك صفة فيزيائية لا ترقى إلى صفة الرجولة لا من قريب ولا من بعيد.
فالرجولة إذاً مفهموم يعبر عن سلوك إيجابي راقٍ لا يشمل على أي سلوك سلبي، ولقد وضح القرآن الكريم معنى الرجولة كما يلي:
1- رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ: فالرجولة هي أن يفهم الإنسان مهمته في الحياة ويعلم أنّ الهدف هو الآخرة فلا ينشغل بأمور دنياه عن آخرته، وهي ذكر دائم لله تعالى، ومفهوم الذكر هنا أعم وأشمل من الذكر اللساني فحسب، بل هو أن يذكر الإنسان ربه في كل عمل يُقدم عليه فيكون الله سبحانه وتعالى شاهد عليه في كل ما يقوم به، وبذلك يصل إلى مرتبة الإحسان وهي كما يقول صلى الله عليه وسلم(( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))4.
والرجولة أيضاً هي وعي الإنسان الكامل لمهمته في الحياة وجدولته للأولويات فلا شيء يلهيه عن مراقبة الله والقيام بفروضه مهما كانت أهميته في الحياة كالتجارة والمال وغير ذلك، وهي أيضاً طاعة الله ورسوله في كل الأوامر، وتجنب ما نهى الله عنه ورسوله، وكل ذلك تنطوي عليه الآيتين الكريمتين: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)3 .
فالرجولة بحسب الآية الكريمة
2- الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ: الرجولة في القرآن الكريم هي القِوامة، يقول الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ( 5.
والقوامة بمعناها اللغوي هي: " القيام على الأمر والمال، وقام على أهله تعني أنه تولى أمرهم وقام بنفقاتهم" 6. والقيّم هو السيد وسائس الأمر. فالقوامة قيادة ومسؤولية يتولاها الرجل ليدفع عن المرأة كلفة العيش أثناء تأديتها لمهمتها ومسؤولياتها تجاه الأسرة. فالقوامة هي رعاية إنفاق لا استبداد ، وتكليف لا تشريف ، وإدارة لا تحكم وإذلال. ولا يضع مفهوم القوامة في الإسلام المرأة في مركز أدنى من مركز الرجل ولكن المسألة مسألة توزيع وترتيب للأدوار والمهمات داخل الأسرة المسلمة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم...)) 7.
ولا يكون قوّاماً إلاّ من اتصف بصفات الرجولة، ولا تنقص من قيمة قوامة الرجل أو رجولته أن يعين زوجته أو أمه أو أخته فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يساعد أهله، كما روت ذلك السيدة عائشة رضي اللهعنها: "كان يكون في مهنة أهله يشيل هذا ويحط هذا يخصف نعله ويرقع ثوبهويحلب شاته" 8.
3- وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ: الرجولة في القرآن الكريم "درجة"، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( 9، جاء قوله تعالى: ) وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ( بعد قوله: ) وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ(، فالدرجة هنا هي درجة الرحمة والتسامح والصفح والفضل والحزم معاً، في حال الرد بعد الطلاق حيث يمكن أن يتعنت الرجل ويستبد ويتعالى، لذا من الواجب أن يتحلى بهذه الدرجة من الأخلاقيات في التعامل مع زوجته، ولا يمكن أن تكون درجة جور وظلم واستبداد في المعاشرة والمعاملة، وحاشى للإسلام أن يكون ظالماً للمرأة.
والدرجة أيضاً هي درجة الولاية والقوامة، والولاية تعطي مفهوماً أشمل وأعم، والأصل في القوامة في الأسرة أنها مسؤولية لتنظيم حركة الحياة، ومن يحوّل القوامة والدرجة والولاية إلى تسلط وجبروت واستبداد يخرج بها عن غرضها الذي أراده المُشرع جلَّ جلاله.
و هي احتواء وتفاهم وحوار واحترام، ولا ينقص من قيمة الرجل أن يأتمر بأمر المرأة فيما يتعلق بدورها كامرأة، وفي كل ما يخصها من شؤون، لأنها أعلم بذلك منه. كما أنه ليس من العيب أن يناقشها في أموره أيضاً. ألم يأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي أم سلمة في صلح الحديبية.؟
ولقد نال الرجال تلك الدرجة في القرآن الكريم لأن الرجل قوّام أعلى في الحركة الدنيوية وهذه القوامة تقتضي الإنفاق، وتحمُّل المسؤولية، وقيادة المنزل، ففي أي مجموعة لا بد من قائد، ولا بد من مهام وأدوار لكل فرد من أفراد المجموعة. والله سبحانه وتعالى حمّل الرجل تلك المهام لا لنقص في المرأة، ولكن لتفريغها لمهام الأمومة، والسكن، ومسؤوليات المنزل وهي أدوار لا تقل أهمية عن أدوار الرجل نالت بها المرأة درجات رفيعة أليست الجنة تحت أقدام الأمهات.؟ وكم من امرأة رحل عنها زوجها فتحملت مسؤولية القوامة بكل جدارة.
4- رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ: الرجولة في القرآن الكريم طهارة، وهي طهارة من النجاسات الحسية والمعنوية، أي هي نقاء ظاهري باطني، صفاء في التعامل بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ومن حوله، يقول تعالى: (لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) 10.
5- رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ: الرجولة صدق ووفاء وثبات على الحق مع الله ثم مع الآخرين، يقول تعالى:مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) 11.
ختاماً
للارتقاء بعلاقة المرأة والرجل، وللتخلص من كثير من المشاكل الحاصلة في المجتمعات الإسلامية كالعنف الأسري وجرائم الشرف وغيرها، لا بد من العودة إلى المفاهيم والمعايير الإسلامية، والانطلاق في حل تلك المشاكل من نقطة أساسية وهي فهم الفرق بين الذكورة والرجولة، وإدراك الرجل ماذا يعني أن يكون رجلاً في نظر الإسلام، وما هي حدود أهميته في هذه الحياة وما هي أهمية دوره.
فهارس:
1- سورة الحجرات، الآية 13.
2- سورة غافر، الآية 40.
3- سورة النور، الآيات 36-37.
4- صحيح مسلم، كتاب الإيمان.
5- سورة النساء، جزء من الآية 34.
6- المعجم الوسيط.
7- صحيح مسلم، كتاب الإمارة.
8- رواه مسلم والترمذي
9- سورة البقرة، جزء من الآية 228.
10- سورة التوبة، الآية 108.
11- سورة الأحزاب، الآية 23.