الحَيَـاة ~
أسبابُ الرغبةِ عن الدُّنيا وكراهيتها عديدة ، فمِنَ الناسِ مَن
يَكره هذه الدُّنيا الفانية رغبةً فيما عند اللهِ مِنَ الأجر والثواب ،
ومَحَبَّةً للقاء الله تعالى .
الحَيَـاة ~
مِنَ الناسِ مَن يكره الدُّنيا لا لأجل الآخِرة ، بل لأنَّه يَرَى أنَّ
حَظَّه فيها قليل ، وأنَّ غَيرَه خَيرٌ منه ، وهذا مِنَ التَّسَخُّطِ على
أقدار الله ، فهو الرَّازِقُ .
الحَيَـاة ~
قال بعضُ السَّلَفِ : ‹‹ تُحفةُ المُؤمِنِ المَوتُ ›› ، فهو يَكرُه
الدُّنيا ؛ لِتَعلُّقِ قلبِهِ بالآخِرة ، وهو مع كراهيتِهِ للدُّنيا قائِمٌ بحَقِّ
اللهِ وحَقِّ عِبادِهِ ، وساعٍ في الخَير .
الحَيَـاة ~
اللهُ - تعالى - هو مُعطِي المِنَحِ ، ومُقَسِّمُ الأرْزاقِ ،
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ
بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ الشورى/27 .
الحَيَـاة ~
مِنَ النَّاسِ مَن يكره الدُّنيا ؛ لِكثرةِ ما أصابه فيها مِن بلاءٍ
ونَصَبٍ وتَعَب ، وهذه حقيقةُ الدُّنيا ، فالدُّنيا دارُ عَمَلٍ
وابتلاءٍ ، ودارُ نَصَبِ وتَعَبٍ ، هكذا خُلِقَت .
الحَيَـاة ~
المُؤمِنُ الصَّالِحُ فيها ، عندما يُلاقِي أنواعَ البلاءِ ، فهو
خَيرٌ له بِصَبره واحتسابِهِ ، به يُكَفِّرُ اللهُ عنه مِن خطاياه ،
ويرفعُ به مِن منزلته ، ويَسعَد في آخرته .
الحَيَـاة ~
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ البقرة/155 .
الحَيَـاة ~
كان عليه الصلاةُ والسلامُ يَبيتُ الشهرَ والشهرين لا يأكُلُ
إلَّا الماءَ والتَّمر ، وهو رسولُ الله ، وأمينُه على وَحْيهِ ،
وغُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تأخَّر .
الحَيَـاة ~
عاداه قومُه عليه الصلاةُ والسلامُ ، ووقَفَ في وجهه أقربُ
الناس إليه ، وشَتَمَه وآذاه الناسُ ، وطردوه مِن دِياره ،
وحُوصِرَ ، واجتمعوا على قَتله .
الحَيَـاة ~
في هَدْيهِ - عليه الصلاةُ والسلامُ - وما حَدَثَ له في حياته ،
عِبرَةٌ وعِظَة ، لِمَن أهَمَّته دُنياه ، وضاقت عليه الأرضُ بما
رَحبت . فكيف بِنا نحنُ المُذنبين العاصِين ؟!
الحَيَـاة ~
أقدارُ اللهِ لِعَبدِهِ المُؤمِنِ كُلُّها خَير ، ومهما ضاقت عليه حياتُهُ ،
فعند الله خَزائِنُ السَّماواتِ والأرض ، فأصلح ما بينك وبينه ،
يَكفِكَ اللهُ ما أهَمَّكَ .
الحَيَـاة ~
قد يكونُ كَدَرُكَ وحُزنُكَ على أمرٍ فاتكَ ، فلم تُحصِّله ، وحينئذٍ
عليكَ أن تعلَمَ أنَّه كم مِن إنسانٍ ألَحَّ في طلبِ شيءٍ ، وهو لا
يدري أنَّ هلاكَهُ فيه ، فصَرَفَهُ اللهُ عنه .
الحَيَـاة ~
كَم مِن إنسانٍ حَزِنَ على فَواتِ ما يُريدُهُ ، وهو لا يَدري أنَّه
لو حَصَّلَه لأضاع دِينَه ودُنياه ، فارضَ بقضاءِ الله وقَدَره ،
واعلم أنَّ رَحمةَ اللهِ واسِعةٌ ، وهو أعلمُ بِكَ .
الحَيَـاة ~
(( أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى
الرجلُ على حَسَبِ دينِه ، فإنَّ كان في دينِه صُلْبًا ، اشْتدَّ
بلاؤه ، وإن كان في دينِه رقةٌ ابْتُليَ على قدْرِ دينِه ))
صحيح الجامع .
الحَيَـاة ~
الابتلاءُ سُنَّة الحياةِ ، وأعظمُ ما فيه ، وهِيَ غنيمةُ المُؤمِنِ ،
كما في الحديث : (( فما يبرحُ البلاءُ بالعَبدِ ، حتى يتركَه
يمشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ )) صحيح الجامع .
الحَيَـاة ~
استَدِم طاعةَ الله عز وجل ، واعمَل بقولِهِ تعالى : ﴿ وَاعْبُدْ
رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ الحجر/99 . لم تُخلَق لَكَ الدُّنيا
لتَخلُدَ فيها ، فهِيَ دارُ عمل .
الحَيَـاة ~
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ طه/131 .
ابتغِ الآخِرةَ ، ولا تَنسَ نَصيبكَ مِنَ الدُّنيا .
الحَيَـاة ~
لا يَحِلُّ للإنسانِ إذا ضاقَ مِنَ الحَياةِ أن يَشتمَ الحَياة ،
وعلى الإنسانِ إذا ابتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ أن يَصبِرَ ، ويَحتسِبَ ،
ويَدعوا ، لَعلَّ اللهَ أن يَرحمَهُ ، ويَكشِفَ ما بِهِ .
الحَيَـاة ~
ليَعلَم الإنسانُ أنَّه ما مِن مُصيبةٍ ، إلَّا في الدُّنيا أعظمُ مِنها ،
فإذا عَلِمَ ذلك ، هانت عليه مُصيبتُهُ . وليتذكَّر ما بعد المَوت ،
وليَستعِـدّ له ، فهو أعظمُ وأكبر .